هجمت علينا الموجة الثانية من كورونا فانقضت على أحبائنا قتلا، وعلى مدخرت الغلابة إستيلاء ومعهم عزيز قوم الطبقة الوسطى المأسوف على حياتها.
بيوت كثيرة خربت بعدما وقعت صرعى مخالب المستشفيات الخاصة بعدما تم تسليمنا إليه - تسليم أهالى - من الحكومة، التي عجزت عن توفير مقرات عزل تواكب الموجة الثانية من الوباء المميت!
هى حكايات مؤلمة، يمتزج فيها الألم والفقدان الخاص بالعام، ومسؤولية الدولة عن حماية مواطنيها من توحش القطاع الخاص، فى ظل وباء كان لابد ان يتصدى له بقوانين رادعة تلزم المستشفيات الخاصة بدرجة معقولة من التكاليف الموحدة، لأننا فى وقت استثنائي، يتطلب اجراءات استثنائية لمواجة وباء يتحور ويتغول ويرواغ ويفاجيء، ثم ينقض مختطفا الأحباء من كل الأعمار تاركين العائلات فى حالة صدمة مروعة، من المصير الذى آلوا إليه، منتظرين فى رعب من سيقع عليه الدور اليوم، وسؤالهم الأهم .. كيف سيتمكنون من توفير ثمن العلاج إذا لم يجدوا مكانا فى مستشفيات الحكومة؟؟
مأساة حقيقية أطاحت بنا جميعا.. بين الكورونا التى نعرفها اليوم والكورونا التى يحضرونها لنا اتباعا لنظرية المؤامرة، أو الكورونا العقابية التى انجبت لنا المرض الأسود أو نهاية العالم كما يتصورها المتشددون وأصحاب العقول المهووسة بانتقام رب يئس من إصلاح العباد - حاشا لله - .. فإننا لمغلوبون ويائسون!
كما قلت، إنها توليفة من أحداث ودراما إنسانية ومؤامرة ماسونية واقتصاد عالمى تأثر إلى درجة مؤلمة وأطاح بالكثيرين إلى مستنقع الفقر، بعدما عجزوا عن النجاة بمشاريعهم الصغيرة، فتم الاستيلاء عليها من الشركات العملاقة، فى ضربة معلم اقتصادية ومعها فى الصدارة شركات الأدوية والمستشفيات التى حققت مكاسب خرافية لم تخطر على بال أعتى المجرمين، اعتقادا منها أن الدولة ستتدخل لتحجيم الاستغلال ووضع ميزان حساس بينها وبين القطاع الخاص، ولكنه ببساطة لم يحدث!
إنما حدث فى بلاد أخرى، عبر السيطرة على القطاع الطبى بمجموعة من القرارات والقوانين تحد من الاستغلال البشع للمصابين، وفي بعض الدول بإقامة مستشفيات ميدانية تستوعب المصابين مع تطبيق العزل والإجراءات الاحترازية، حتى لا تعم فوضى العدوى بحيث تعجز الدولة فعليا عن التصدى لها بكل النيات الطيبة، دون الحسم المطلوب فى تلك الأحوال، خاصة فى دول العالم الثالث الذى مازال يعانى ارتفاع درجة الأمية فى الألفية الثالثة، وبالتالى لا نستطيع الاعتماد على وعي الناس بالالتزام، فى ظل جائحة عالمية لا يعرف أحد مصدرها، ولا مستقبلنا معها حتى الآن!
أما المأساة الحقيقية، فهى حكايات المصابين عما جرى لهم فى المستشفيات الاستثمارية التي نسي المسؤولون عنها وظيفتهم الأساسية - فى ظل المكاسب الجنونية - وهى معاملة المريض بطريقة إنسانية، ناهيك عن المقابل الذي كانوا ينتظرونه وهم يدفعون مئات الآلاف لذويهم، حتى بات غاية المنى أن يجد أي إنسان مكانا فى مستشفيات الدولة.. والسؤال هنا لماذا؟ لالتزام مستشفيات الدولة بمعايير منظمة الصحة العالمية، كما أنها لا تتلكأ فى صرف المريض فور شفائه، وصرف من يتأكدون من تدهور حالته ليموت وسط أهله، ويجدوا مكانا لمريض آخر، لأنها لا تستتفيد ماليا منه، عكس المستشفيات الخاصة التى تعرف انه يحتضر وتبقى عليه فى الانعاش حتى يستمر تدفق الأموال التى تصل فى البعض منها إلى مئة ألف جنيه فى اليوم.. فيكذبون على أهله بأعطائهم أملا كاذبا، ويرفضون رجاء المريض نفسه برغبته الموت بين أهله حتى لا تخرج أنفاسه فى ظلمة الوحدة، لكن على مين؟.. ده بيزنس يا شيرى.. أموال لم يحلموا بها.
أغنياء الكورونا الملعونين الذين دفعوا المصريين إلى حافة الفقر المدقع وأصبح بعضهم عزيز قوم ذل بعدما عجزوا عن إيجاد مكان فى المستشفيات الحكومية لانفجار عدد المصابين، والذي لاعلاقة له بالأعداد المعلنة – ليس تشكيكا فى أرقام الحكومة الصادقة دوما - إنما لوجود آلاف كثيرة تم علاجهم فى بيوتهم، سواء لبساطة الحالة أو عدم ايجاد مكان أو عدم قدرة ذويهم على دفع مئات الألوف للمستشفيات الخاصة.
أزيدكم من الشعر بيتا، معظم المستشفيات تمنع رؤية المريض فى العزل، مفهوم ولكن لماذا يمنع الموبايل؟ أهو بسبب فضيحة توقف الأكسجين في أحد المراكز الطبية؟ أي يظل المريض معزولا لايستطيع طلب النجدة من أهله، إذا أسيئت معاملته أو تركه دون مياه وأحيانا دون طعام، وفى أحيان كثيرة يتركون المرضى يتبولون على أنفسهم، لأن الممرضة خائفة منهم، وذلك حدث لابنة خالتى ووالدتها فى أرقى مستشفى دفعوا لها 150 ألف جنيه فى خمسة أيام! بل وصل الإهمال أن المريض يترك يصرخ فى البرية دون أن يسأل فيه أحد، مما حدا بأحد أقاربى أن ينزع عنه توصيلة قلبه بالجهاز، حتى يتصوروا أنه مات فيأتون إليه، بعد تركه يومين دون طعام وعندما سأل عن الطعام، قيل له أنت لم تأكل، وتصورنا عدم رغبتك فيه، ولم يعاقب لا الطبيب المسؤول فى غرفة الانعاش ولا الممرض المسؤول! ناهيك عن اختفاء الأطباء فى عطلات نهاية الأسبوع ومعهم الممرضين المتمرسين، ويستعاض عنهم بعمالة مؤقتة لا تفهم إلا بأخذ القشبش من ذوى المرضى حتى يطمئنوهم عليهم من على باب المستشفى! َ
وإن استمررت فى حكى مهازل المستشفيات الخاصة وسرقتها العلنية للمرضى ورغبتها في عدم إخراج الميؤؤس من شفائهم، تحت شعار الأمل الزائف، بينما القصد والنية أن يستمر العداد يعد. فلن تكفى مجلدات.. لذلك أهيب بالحكومة الموقرة أن تتدخل لإنهاء تلك المهزلة، حتى لا نتحول لعبيد المستشفيات الخاصة، تدفعنا الى الموت وخراب الديار، أما أغلبية الطبقة الوسطي فأصبحت للأسف عزيز قوم ذل، من قبل الكورونا وبعدها!
-------------------
بقلم: وفاء الشيشيني